بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم أكرم بن محمد زيادة الفالوجي الأثري
من كتابي «الرياض الروية» في شرح «الفتوى الحموية»
إثبات العينين هنا من خلال قوله تعالى: تجري بأعيننا لم أقف عليه في شيء من كتب التفسير المعتبرة، وغاية ما فيها: «بمرأى منا ومنظر»، أو: «بأمرنا». كما في «تفسير الطبري» (11/553/ 32756 و32757) ـ على التوالي ـ وقد جمعهما ابن كثير في «تفسيره» (4/337) فقال:
«بأمرنا؛ بمرأى منا، وتحت حفظنا وكلاءتنا». انتهى. ولم تَخْرُجْ باقي التفاسير ـ المعتبرة ـ عن هذين القولين.
وقد أورد اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة..» (3/411/691) عن ابن عباس في قوله ـ عز وجل ـ تجري بأعيننا قال: «أشار بيده إلى عينيه».
قلت: وفي هذا الأثر ـ إن صح الإسناد إليه، لأن اللالكائي ساقه من طريق (علي بن صدقة)، ولم يعرفه المحقق الغامدي ـ كفاية في إثبات العينين ـ كلتيهما ـ من خلال هذا النص.
وقد حاولت تتبع أقوال أهل العلم في إثبات «العينين كلتيهما» من خلال هذا النص، أو غيره، فوجدت الشيخ العثيمين في «فتح رب البرية بتلخيص الحموية» (ص: 61ـ62)، والشيخ صالح آل الشيخ في شرح «الحموية» (ص: 339و358) قد اثبتا «العينين كلتيهما» من خلال مفهوم الآية، ومن خلال مفهوم المخالفة في حديث صفة الدجال:
1ـ «إن ربكم ليس بأعور». رواه البخاري (4141) عن عمر بن محمد، أن أباه حدثه عن ابن عمر، وذكره، وأبوه هو محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، يروي عن جده ابن عمر.
ورواه البخاري (6712) عن أنس وقال: «فيه أبو هريرة، وابن عباس، عن النبي ص »
ورواه مرة أخرى برقم (6973)، ومسلم (2933) عن أنس مثله، دون التعليق.
2ـ «إن الله ليس بأعور». رواه البخاري (2892 و3159 و5821 و6708)، ومسلم (169) كلاهما، وغيرهما من طريق سالم، عن ابن عمر.
ورواه البخاري (3256 و6972)، ومسلم (169) من طريق نافع، عن ابن عمر، مثله. ولهما، ولغيرهما فيه طرق وألفاظ. اقتصرت منها على موضع الشاهد.
وإثبات العينين من خلال مفهوم الآية صحيح من حيث اللغة، بل هو الأفصح ـ كما قال ابن القيم ـ لأن جمع المفرد إذا أضيف إلى المثنى هو الأفصح في لغة العرب، كما قال تعالى: فقد صغت قلوبكما [التحريم: 4] فأضاف الجمع: «قلوبكما». إلى المثنى «عائشة وحفصة»، ولم يثنه «قلبيكما»، مع أنهما اثنتان، وقلباهما مثنى، وجائز أن يثني قلبيهما أيضاً.
وانظر للمزيد حول مسألة جمع المثنى: «مجموع الفتاوى» لشيخ الإسلام (6/365 و6/370)، و«بدائع الفوائد» (1/224)، و«الصواعق المرسلة» (1/266) لتلميذه ابن القيم.
وقد أفادني ببعض ذلك أخونا الفاضل أبو عبد الرحمن، عبد الله الموصلي حفظه الله.
وانظر للمزيد في إثبات صفة «العينين» ـ بالتثنية ـ: «إيضاح الدليل» (ص: 76 ـ76) لبدر الدين بن جماعة ـ نقل عن الشيخ العثيمين ـ و«الإبانة» للأشعري (ص: 14 و20)، و«التحفة المدنية» (ص: 122 و129)، و«العلو» للذهبي (ص: 221)، و«توضيح المقاصد وتصحيح القواعد..» (2/ 417ـ420)، و«المواقف» للإيجي (3/145 و3/153).
وقد أثبتَ البعضُ له من خلال الآية (جنس العين) فأفردوها ولم يُثَنُّوها، ولم يجمعوها كما في «تبيين كذب المفتري..» لابن عساكر (ص: 157 ـ158)، و«حجج القرآن» لأبي الفضائل الرازي ـ كان موجوداً سنة (631 هـ) ـ (ص: 50).
وقد تأول جمال الدين، عبد الرحمن بن المأمون، المتولي، الشافعي، أبو سعيد، النيسابوري، المتوفى سنة (478) ثمان وسبعين وأربعمائة، في كتابه «الغنية في أصول الدين» (ص: 114) قوله تعالى: تجري بأعيننا فقال: «فالمراد به الأعين التي انفجرت من الأرض وأضافته ـ كذا في الأصل ـ إلى الله ـ سبحانه ـ على سبيل الملك». وهو تأويل لم أقف عليه لغيره
وقد أغفل الكلام عن هذه المسألة الشيخ التويجري ـ عفا الله عنا وعنه ـ في شرحه للحموية ـ على غير عادته ـ مع تكرارها، وضرورة الحاجة لبيانها.
وقد حاول البعض التشغيب على أخينا الشيخ
مشهور حسن ـ حفظه الله ـ قبل فترة بسبب كلامه في هذه المسألة، وهذا من الأسباب التي دفعتني لتحرير هذه المسألة على هذا النحو.
والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم